kayhan.ir

رمز الخبر: 201265
تأريخ النشر : 2025January22 - 20:12

                  نافذة فتحت بوجه النصر

 

سعدالله زارعي

 "حماس هي التي تحدد أي اسير وفي اي وقت يتم اطلاق سراحه... فليس من المرضي ان تتعادل الكفة مع حماس وهذا امر فاضح بالنسبة لـ"اسرائيل".

هذا مقطع من مقال "عاموس هرئيل" لصحيفة هآرتس وهي الرواية الاصح لما حصل عصر الاحد الماضي بعد 471 يوماً من الحرب في غزة.

ان هذه الظروف بالنسبة لكيان الاحتلال المجرم الذي أوقع هذه الحرب الطويلة قاهرة وفاضحة، بحيث ادعى وزير خارجية الكيان "جدعون ساعر" ان وقف اطلاق النار في غزة امر مؤقت! هذا في الوقت الذي حسب نص الاتفاق بين اسرائيل وحركة حماس قد تمت بوقف دائمي لاطلاق النار، كما اصدر البيت الابيض الخميس الماضي بياناً بأن اتفاق غزة اوقف الحرب.

فضلاً عن ذلك سواء انهى الاتفاق الحرب وسواء استأنفت اسرائيل القتال بذريعة أم دون ذريعة فلا تغيير في هذه المعادلة الستراتيجية بأن "اسرائيل" لم تتمكن عن طريق الحرب تحرير الاسرى وبعد 470 يوماً من القتال وصلت طريقاً مسدوداً فاضطرت للجلوس مع ممثل حركة حماس، كان تدميرها هدفاً اساسياً اعلنته "اسرائيل" كسبب لإستمرار الحرب الثقيلة والتوقيع على اتفاق تبادل الاسرى غير المتكافئ.

واللافت انه قبل شهر كان نتنياهو الذي اشعل الحرب قد أعلن لمرات "ان الحرب في غزة لا تتوقف حتى تدمير حماس"، الا انه حين يشكر بايدن لسعيه ايقاف الحرب فهذا يعني ان الاتفاق لم يأت من القصف والتدمير.

وحين يقول: "برت ماك غيرك" المبعوث الخاص لبايدن يوم الاحد اي في اليوم الذي سرى مفعول الهدنة: " لقد عملنا بشكل متواصل مع الاسرائيليين لنصل الى هذا الاتفاق وكان هذا هو الحل الوحيد لايقاف القتال".

وبعبارة ثانية ان ايصال اكثر من 120 الف طن من الاسلحة الاميركية والالمانية الى كيان الاحتلال لم تعمل فعلها بتقرير مصير الحرب في غزة، ومن الواضح ان من يضع هذا الكم الهائل من الاسلحة تحت تصرف المعتدي لمعتقد ان النصر بهذا الشكل يتحقق، اذن فمقاربة ان اميركا هي من ارادت ايقاف الحرب لا صحة لها، فهذا مثل ما نقول انها الارادة الاسرائيلية لايقاف الحرب.

وبحق ان ايقاف القتال هو صنع فلسطيني على يد المقاومة، اذ انه منذ البداية كانت ستراتيجيتها في ايقاف القتال وستراتيجيته الجانب الاخر كانت منذ البداية إنهاء وجود المقاومة عن طريق الحرب.

الامر المهم الاخر هو انه من السذاجة ان نتصور ان الاميركان  قد تابعوا وقف القتال لانقاذ الفلسطينيين، اذ بهذه الحالة كان كافياً ان توقف ارسال العتاد للكيان الغاصب، اذ حتى يشتد السجال بين نتنياهو وبايدن كانت اميركا ترسل الاسلحة الى تل ابيب وتعلن رسمياً دعم "اسرائيل" عسكرياً، وهنا اعلن المتحدث بأسم كابينة الكيان الصهيوني يوم الاحد مع بداية الهدنة عن دعم ترامب وبايدن في حق "اسرائيل" لاستئناف الحرب، كما ان قناة 14 الاسرئيلية التابعة لحزب الليكود بزعامة نتنياهو ذكرت بأن اميركا قد تعهدت بالسيطرة على حركة الفلسطينيين من الجنوب للشمال وتحول دون استغلال حماس للتجمهر السكاني للسيطرة مرة اخرى على شمال غزة، وبالطبع افادت القناة بعد ذلك بإمتعاض حين اظهرت حركة السكان بمعية مسلحين: "كيف يمكن السيطرة على هذه الجموع فلولا تمكنا من تفتيشهم...وتبقى حقيقة الحؤول دون مرور اشخاص مسلحين في شمال غزة محاطة بالضبابية"، اذ صار واضحاً ان لا اميركا ولا "اسرائيل" رضيتا بإعتماد اسلوب الاتفاق، فيما اظهرت حماس خلال مبادرة ايقاف اطلاق النار ان الامر كان يبدها كما كانت عملية طوفان الاقصى قبل 15 شهراً بإرادتها.

من هنا فأن "سموتريج" عضو الكابينة الاسرائيلية قد صرح يوم وقف القتال: "اذا تختتم القضية هكذا فأن "اسرائيل" قد تحملت فشلاً مفتضحاً"، والحقيقة ان الاتفاق على وقف اطلاق النار من قبل اميركا واسرائيل قد تحقق في وقت وصل الجيش الاسرائيلي الى طريق مسدود في مواجهة حماس والجهاد الاسلامي، فأستعراض الحشود المسلحة ومواكب الدراجات النارية لحماس خلال الساعات الاولى لوقف اطلاق النار كان مراً على الاسرائيلي وموجعاً اشد الوجع.

فاذاعة الكيان خلال اشارتها الى الحضور المسلح الكثيف لقوات حركة حماس بين حشود الجماهير المسرورة، افادت: "ان حماس لم تفقد سيطرتها على اي جزء من غزة خلال فترة القتال، وهي الان كذلك اظهرت مدى تسلطها وهيمنتها.

فبعد 15 شهراً لم تتمكن "اسرائيل" من قطع سيطرة حماس على غزة، وكيف تكون عربات حماس بعد 15 شهراً من الحرب تجوب الشوارع في قطاع غزة؟ انه حقاً فشلاً عسكرياً لـ"اسرائيل"، وهنا تتضح تخرصات نتنياهو بأن من حق "اسرائيل" استئناف القتال، أو مقولة "سموتريج" الذي صرح "سنعود للحرب والا ستتلاشى الكابينة"، او تصريح "جدعون" قائلاً: "لا نسمح ببقاء حماس في حكم غزة" او ادعاءات القناة 14 "ان اميركا قد وعدت ان لا عودة لحماس للحكم".

فما شوهد من تجمهر الغزيين وفرحهم بعد وقف القتال في مختلف مناطق غزة والحضور المسلح لقوات المقاومة بين صفوف الناس يعكس ان المقاومة عصية على الاستسلام وان شعباً يعبر بهذا الشكل عن فرحته ويعاضد المقاومين لا يقبل بحكومة غير حكومة حماس.

ولذا لا يوجد أي قلق لما يحصل في مستقبل غزة، وهو ما يعززه اطلالة "ابو عبيدة" وتقديره الوارف للجمهورية الاسلامية الايرانية وقوى المقاومة اللبنانية والعراقية واليمنية، وافتخاره بعمليات طوفان الاقصى،وبالطبع لا يستبعد ان ينقض كيان الاحتلال قرار وقف اطلاق النار، اذ لا يحتمل تداعيات الاتفاق.

الا انه غير متمكن من اعادة القتال.

وما سيحصل من اجراءات امنية مثل اغتيال اعضاء المقاومة في غزة، مما يستوجب الحذر، كما ان غالبية الاسرائيليين وحتى قوات الجيش قد رضخوا ان الحرب ضد غزة مكلفة جداً، بينما اشار وزير الدفاع الاسرائيلي السابق "يوآف غالانت" يوم الاحد الماضي الى اطلاق سراح ثلاث نساء اسيرات بعد الاتفاق، قائلاً:"كان من الممكن ان يحصل ذلك من قبل، فلقد استمر طويلاً وهو ما يبعث على الاسف"، فلا الجيش ولا الاسرائيليين لهم استعداد القتال مرة أخرى، بينما برهنت حماس باستعراضها يوم وقف القتال انها باقية على اهبتها للقتال.

من جانب آخر؛ وفيما اذا نقضت "اسرائيل" قرار الهدنة فأن المقاومة في غزة وسائر جبهات الاسناد سيعودون للقتال بدعم شرعي مضاعف، وهذا ما اعلنته المقاومة اليمنية انه في حال نقضت اسرائيل قرار الهدنة ستستأنف امواج الصواريخ ضد "اسرائيل".

ان اتفاق وقف اطلاق النار لا يشمل كل القضية ولا تحدث معجزة من نفسها، ولكن أظهر أن المقاومة ورغم مرورها بظروف غير متكافئة وبسلاح متواضع، وان التوازن العسكري ليس لصالحها – كما هو حاصل في غزة وفي لبنان والعراق واليمن – الا انها كتمت انفاس العدو واثبتت حرب غزة انه حين تكون المواجهة بين الكفر والايمان – حسب ما تفضل به الامام الخميني "ره": فان البندقية التي تحملها سواعد مؤمنة هي التي تحتكر الموقف لصالحها.

ان "اسرائيل" قد تقدمت في سوريا دون اي خسائر  ولكن في غزة ولبنان وبالرغم من الخسائر الجسيمة، اضطرت الى القبول بوقف اطلاق النار والتراجع، هذا في الوقت الذي تفوق قدرات الجيش السوري قدرات حزب الله وحماس العسكرية، الفارق ندركه في كلمة "المقاومة".

ان اوضاع المنطقة اخذت طابعاً مصغراً "منمنماً" رمزياً، ففي سوريا فان الجيش الذي كان مقتدراً ويفوق عديده 300 الف مجند، قد اندحر أمام تيار ضعيف – في أحسن التقديرات عدده عشرون الف مقاتل – وخلال 11 يوماً، في بلد مساحته 185 ألف كم مربع بتعداد 23 مليون نسمة، وتلاشى، بينما في غزة فأن جيشاً وسيعاً يقرب من 500 ألف مجند، وبالرغم من مقاتلته لـ16 شهراً قبال تعداد من السكان لا يتجاوز 2.5 مليون نسمة، قد خضع أمام المقاومة.

وفي لبنان فأن خمسة فيالق من الجيش الاسرائيلي وبعد شهر من الحرب البرية وشهرين من القصف الجوي تمكن فقط من السيطرة على 3.5 كم داخل الحدود اللبنانية، واضطر للقبول بوقف اطلاق النار واظهر استعداده الانسحاب من الاراضي التي احتلها.

فبرهنت غزة ولبنان ان المقاومة منتصرة وان العدو ورغم قدرته فانه يرجع القهقرى.